Photobucket
Headlines News :
Home »
» 5- الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان

5- الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان

Written By Pelatihan blog on Sabtu, 21 Januari 2012 | 02.42

زاد حماد في روايتهِ عن أيوبَ: قالَ نافعٌ: كانَ ابنُ عُمَرَ إذَا مَضَى من شعبانَ تِسْعٌ وعشرونَ نُظِرَ لَهُ فإنْ رُبْيَ فداكَ، وإنْ لم يُرَ ولم يَحُلْ دُوْنَ مَنْظَرِهِ سحبٌ ولا قَتَرَةٌ أصْبَحَ مُفْطِراً، وإن حالَ دُوْنَ مَنْظَرِهِ سحابٌ أو قَتَرَةٌ أصْبَحَ صائماً، وكانَ يُفْطِرُ معَ الناسِ ولا يَأْخُذُ بِهَذَا الحسابِ، قالَ: وقالَ ابنُ عَوْنٍ: ذَكَرْتُ فِعَلَ ابنِ عُمَرَ لمحمدِ بنِ سيرينَ فلم يَعْجِبْهُ. أخرجه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن إسمعيل ابنِ عَلَيَّةَ دونَ فِعْلِ ابنِ عُمَر. (البيهقي)".

إن هذه الرواية على درجة من الأهمية و ذلك لعدة اعتبارات:

أولاً: هذا يدل على أن ابن عمر نفسه لم يعتمد على الإكمال, فعلى ما يبدوأن بعض الفقهاء فسروا عبارة ( و لا يأخذ بهذا الحساب ) بمعنى أن ابن عمر لم يعتمد على العد والحساب. هذا التفسير غير صحيح. صاحب كتاب ( عون المعبود ) أوضح بجلاء أن ابن عمر كان ينهي صيامه مع عامة المسلمين, و أنه لم يكن يهتم بعد الأيام التي بدأ بها صيام رمضان. فإن كان رمضان تسع وعشرون يوماً كان يعتبر أن اكمال الثلاثين بصيام يومه الأول. أما إذا انتهى شهر رمضان بعدة ثلاثين يوماً فإن ابن عمر كان يعتبر أن يوم صومه الأول هو صوم تطوع من شعبان.
هذا هو التفسير الصحيح للعبارة المستدل عليها.

ثانياً: هذه هي الرواية الوحيدة لابن عمر والمتعلقة يموضوع بحثنا التي ترد فيها عبارة ( فاقدوا له ثلاثين ).
سنرى فيما بعد أن هذه الرواية لابن عمر هي الوحيدة أيضاً التي تذكر إكمال العدة ثلاثين في حالة الطقس الغائم. أما بقية الروايات فإنها تقتصر فقط على ذكر جملة ( فاقدوا له ) و التي فسرت من قبل الجمهور على ضوء هذه الرواية المفسرة, و لكن هذه الرواية تناقض نفسها بنفسها. ذلك بأن تطبيق ابن عمر الفعلي كان عكس الرواية التي يرويها هو بنفسه و التي تقضي بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً في حالة الطقس الغائم, ففي حالة الرؤية غير الواضحة في الأفق كان يبدأ صومه بعد إكمال تسع و عشرين من شعبان.

ابن قدامة, الفقيه الحنبلي, يرى أن ابن عمر ( ر ) فسر المعنى الصحيح للحديث من خلال عمله و تطبيقه الشخصي, و من الضروري الأخذ بعين الإعتبار أنه هو الراوي الأصلي للحديث الذي يذكر أن علينا إكمال العدة ثلاثين يوماً في حالة الطقس الغائم.
"وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ : أَيْ ضَيَّقُوا لَهُ الْعَدَدَ مِنْ قوله تعالى : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } . أَيْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ . وَقَوْلِهِ : { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } . وَالتَّضْيِيقُ لَهُ أَنْ يُجْعَلَ شَعْبَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِفِعْلِهِ , وَهُوَ رَاوِيه , وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ , فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِه". ِ
يقول إبن حزم الظاهري:
" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا ابْنُ عُمَرَ هُوَ رَوَى أَنْ لَا يُصَامُ حَتَّى يَرَى الْهِلَالَ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ مَا ذَكَرْنَا".
هل من المعقول أن ابن عمر ( ر ) كان يذهب في تصرفاته هذه عكس أوامر النبي ( ص ) و توجيهاته, والتي رواها هو بنفسه. كما أن العديد من صحابة رسول الله ( ص ) و تابعيهم كانوا ينهجون نهج ابن عمر في الصيام و ذلك للحرص على عدم إضاعة يوم واحد من رمضان. و نورد ما ذكر ابن قدامه حيث قال:
" مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ , أَوْ قَتَرٌ وَجَبَ صِيَامُهُ , وَقَدْ أَجْزَأَ إذَا كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ مَا نَقَلَ الْخِرَقِيِّ , اخْتَارَهَا أَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ , وَابْنِهِ , وَعَمْرِو بْن الْعَاصِ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَنَسٍ , وَمُعَاوِيَةَ , وَعَائِشَةَ , وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ , وَبِهِ قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ , وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , وَمُطَرِّفٌ , وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ , وَطَاوُسٌ , وَمُجَاهِدٌ".

ذكر الإمام النووي رحمه الله أن الإمام أحمد كان يأمر بالإبتداء بصيام شهر رمضان بعد تسع و عشرين يوماً من شعبان في حالة عدم إمكانية رؤية الهلال. هذا هو رأي ثمانية من صحابة رسول الله ( ص ) المعروفين و رأي سبعة من التابعين.

"وُجُوبُ صِيَامِهِ عَنْ رَمَضَانَ رَوَاهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَرْوَزِيُّ وَمُهَنَّا وَصَالِحٌ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ . قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَطَاوُسٍ وَمُطَرِّفٍ وَمُجَاهِدٍ فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَبْعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ".

و ذكر عظيم آبادي صاحب كتاب ( عون المعبود ):
"وروي معناه عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر تصومان ذلك اليوم، وقالت عائشة رضي الله عنها: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان. وكان مذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صوم يوم الشك إذا كان في السماء سحاب أو قترة، فإن كان صحو ولم ير الناس الهلال أفطر مع الناس، وإليه ذهب أحمد بن حنبل".
عارض بعض العلماء الكلام السابق و قالوا أن ابن عمر و الآخرين كانوا يصومون يوم الشك بنية صيام التطوع, و ليس على أنه أول أيام شهر رمضان. و هذا تفسير غير صحيح و غير مطابق للواقع, لأنهم كانوا يصومون ذلك اليوم بنية صيام رمضان و ليس صيام تطوع, و قد ذكر الإمام أحمد ذلك بجلاء حيث قال:

يجب صومه على أنه من رمضان

يحدد بدر الدين العيني يوم الشك على أنه:
"قال العلامة العيني: "ويوم الشك هو اليوم الذي يتحدث الناس فيه برؤية الهلال ولم يثبت رؤيته أو شهد واحد فردت شهادته أو شاهدان فاسقان فردت شهادتهم".
ثالثاً: كيف يدع داع أن هناك إجماع بين الفقهاء على أن إكمال العدة ثلاثين يوماً هو التفسير الصحيح و هوالمقصود بقوله ( ص ): " فاقدوا له", و قد رأينا أن ممارسة ابن عمر و هو الراوي الأصلي للحديث عكس ذلك, و أنه كان يضيق شهر شعبان و يصوم رمضان بعد التاسع والعشرين في حالة عدم وضوح رؤية الهلال. بل إنه لا يوجد إجماع بين الصحابة و التابعين أن إكمال العدة ثلاثين يوماً هو التفسير لقوله ( ص ): " فاقدوا له ". فلو كان كذلك حقاً و كان أمراً واضحاً من أوامر النبوة فكيف نفسر موقف عبد الله بن عمر, و عائشة ( ر ), و أسماء و الإمام أحمد و عدد آخر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. و هل من الممكن أن نعتقد أنهم خالفوا عن أمره ( ص ).
رابعاً: إن ما ذهب إليه عبد الله بن عمر و هذه المجموعة من العلماء في البدأ بصيام رمضان بعد التاسع و العشرين من شعبان في حالة الطقس الغائم و دون اللجوء إلى الرؤية البصرية للقمر هذا الموقف يدحض مقولة أن هناك إجماع بين العلماء على اعتبار الرؤية البصرية بالعين المجردة للإنسان أو إكمال الشهر ثلاثين يوماً هي فقط الطرق الصحيحة لإثبات دخول شهر رمضان و بقية الشهور الإسلامية.
ذلك بأن طريقة ابن عمر و الإمام أحمد هي طريقة قائمة على مجرد العد الحسابي لأيام شعبان في حالة الطقس الغائم و ليست قائمة على الرؤية البصرية المجردة أو إكمال العدة ثلاثين.

خامساً: هناك أحاديث في البخاري ومسلم و كتب حديث أخرى تقول أن الرسول ( ص ) نفسه كان يبدأ الشهر أو ينهيه دون الاعتماد على الرؤية البصرية أو إكمال العدة ثلاثين.

"حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا".

فكان الرسول ( ص ) يحسب الأيام فينهي شهره أو يبدأ الشهر الجديد دون رؤية الهلال. فالرسول ( ص ) لم يقل أنه شاهد الهلال و نعرف أن واحدة من زوجاته رضي الله عنهن سألته هل رأى الهلال أم لا. كما أن الحديث لم يذكر أن الطقس كان غائماً ذلك المساء. و من الواضح أيضاً أن الرسول ( ص ) لم يكمل ثلاثين يوماً للشهر.

"حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا".

الإمام مسلم روى نفس الحديث لكن عن طريق أنس بن مالك:

"حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ".

وصححه الترمذي.

"حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

يبدو من هذا الحديث أن الرسول ( ص ) أثبت الشهر بالعد تسع و عشرين يوماً و ليس بالرؤية البصرية أو بالإكمال ثلاثين يوماً.

من خلال ما تقدم نرى أنه من الوضوح بمكان أن القول بإجماع الأمة على أن السنة القمرية الإسلامية لا يمكن إثباتها إلا بالرؤية البصرية أو بالإكمال ثلاثين قول عار عن الصحة, و غير واقعي. كما أن هناك استثناءات عديدة لهذه القاعدة تساند ما قلناه حول هذه النقطة. إضافة إلى أن كلا هذين التفسيرين والقائلين باكمال عدة شعبان و رمضان ثلاثين يوماً في الطقس الغائم كما يرى الجمهور, أو ابتداء شهر رمضان بعد التاسع و العشرين من شعبان عندما يكون الإفق غير واضح كما فعل ابن عمر و الإمام أحمد. كلا هذين المذهبين يقود إلى العديد من الاختلافات التطبيقية لنهاية شهر رمضان. فقد ينتهي شهر رمضان أحياناً بعد ثمانية و عشرين يوماً, و أحياناً أخرى بعد واحد و ثلاثين يوماً.
قام الدكتور شفاعت أحمد بتحليل متكامل لهذه الصعوبات فأكد أن كلمة ( فاقدوا له ) تعني تقدير الوقت. لكن طريقة التقدير لم تعين بالضبط. على اعتبار أن هذا متعلق بالمعلومات و الأدوات المتاحة و التي تتغير من مكان إلى مكان و من وقت لآخر.
على كل فإن البعض قد حاول حصر عبارة ( فاقدوا له ) بالمعنى الضيق و أرسى طريقة واحدة, سهلة, بسيطة التطبيق في كل الحالات – الرؤية أو الاكمال -. هذا يولد السؤال التالي: هل نفس تضييق عدد الأيام يكون لشعبان ورمضان معاً؟
إذا كان الطقس غائماً في شعبان و رمضان معاً فإننا أمام أربع احتمالات للإجابة على هذا السؤال. هذه الاحتمالات هي: إما أن يكون كلا الشهرين تسع و عشرون يوماً, أو يكون كلا الشهرين ثلاثون يوماً, أو يكون أحدهما تسع و عشرون و الآخر ثلاثون بالتبادل.

أولاً: إذا كان الطقس غائماً في التاسع و العشرين من شعبان و التاسع و العشرين من رمضان فإننا نكمل عدة كليهما ثلاثين يوماً, وعليه فإنك لن تصوم أكثر من ثلاثين يوماً قطعاً, و لكنك قد تصوم ثمانية و عشرين يوماً فقط.
على فرض أن عدة شعبان و رمضان كانت تسع و عشرون يوماً بحسب ولادة القمر, لكن الطقس كان غائماً في شعبان و صاف في رمضان فأنت في هذه الحالة تكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً و تفقد من رمضان يوماً فتكون قد صمت ثمانية و عشرين يوماً من رمضان فقط.
و في أماكن مثل جزر الكاريبي و ترنداد و فيننا حيث الطقس غائماً في أغلب الأحيان فإن هذه العملية قد تقود إلى جعل رمضان حتى أقل من ثمانية و عشرين يوماً.

ثانياً: إذا كان الطقس غائماً في التاسع و العشرين من كلا الشهرين؛ رمضان و شعبان على السواء, و اتخذ الشهران على أنهما تسع و عشرون يوماً كمذهب ابن عمر و من وافقه من الصحابة والتابعين مثلاً, ففي هذه الحالة من غير الممكن أن تصوم أقل من تسع و عشرين يوماً, ولكن في بعض الأحيان قد تصوم واحد و ثلاثين يوماً أو ربما أكثر, أو حتى ممكن أن يأتي عيد الفطر في رمضان.

أي أنه على فرض أن رمضان في الواقع كان ثلاثين يوماً, و كان غائماً في شعبان و صافياً في رمضان؛ واعتماداً على قاعدة تضييق الشهرفي الطقس الغائم إلى تسع و عشرين يوماً, فإنك في هذه الحالة تعد شعبان تسع و عشرين يوماً ثم تصوم في آخر يوم من شعبان مع أنه على الحقيقة ثلاثون يوماً, فإذا كانت السماء صافية في التاسع و العشرين من رمضان فإنك ستعلم أن رمضان لم ينته, فعلى هذا ستصوم ثلاثين يوماً من رمضان ويوم واحد من شعبان؛ فيكون المجموع واحد و ثلاثين يوماً.

ثالثاً: إذا كان الطقس غائماً في شعبان فأكملت الشهر ثلاثين يوماً, و كان غائماً في رمضان فجعلته تسعاً و عشرين يوماً؛ ففي هذه الحالة لا يمكن أن تصوم أكثر من ثلاثين يوماً, ولكن قد تصوم ثمانية و عشرين يوماً في بعض الأحيان.

رابعاً: إذا كان الطقس غائماً في التاسع والعشرين من شعبان, فجعلت عدته تسعاً و عشرين يوماُ, و كان كذلك غائماً في التاسع والعشرين من رمضان فجعلته ثلاثين يوماً فأنت في هذه الحال لا يمكن أن تصوم أقل من تسع و عشرين يوماً, لكنك قد تصوم واحداً و ثلاثين يوماً في بعض الأحيان.

لقد أورد الدكتور شفاعت أحمد ملاحظات هامة فقال: اليوم كلنا نعتقد أن الاحتمال الأول و هو إكمال عدة شعبان و رمضان ثلاثين يوماً في حالة الإغمام و عدم وضوح الرؤية هو الاحتمال الممكن المقبول الوحيد. و لكن سيستغرب القارئ إذا عرف أن كل الاحتمالات السابقة مأخوذ بها من قبل فقهاء المسلمين.

من المؤكد أن الاختلافات في الروايات المتنوعة للأحاديث الشريفة والتي تدور حول بداية أو نهاية شهر رمضان, من الممكن أن تكون واضحة من خلال هذا الاختلاف في التطبيق.

ضعف مقولة أن هناك إجماعاً على رفض الأخذ بالحسابات الفلكية:

على الرغم من هذا الإدعاء بوجود الإجماع فإن هناك بعض الأصوات المعارضة و المنتسبة إلى المدارس الفقهية الثلاثة ما عدا المدرسة الحنبلية كما سنرى.
هناك مرجعيات معروفة في المذهب الحنفي و المذهب الشافعي و المذهب المالكي ترفض التعامل مع الحسابات الفلكية على أساس الرفض المطلق, سواءً كان ذلك في إثبات شهر رمضان أو ماشابه ذلك. إذاً فالمدرسة الحنبلية هي المدرسة الوحيدة التي تجمع على رفض الحسابات الفلكية رفضاً تاماً, جملة و تفصيلاً.

هناك أقلية محدودة جداً بين فقهاء السلف لا توافق على الانصراف التام عن الحسابات الفلكية. و هذا العدد القليل من العلماء لايزال في ازدياد و خاصة في عصرنا. بل أبعد من ذلك فهم يرون أن الحسابات الفلكية هي الطريقة الحاسمة لمعرفة حركة الأجرام السماوية, و هي أكثر دقة من مجرد الرؤية البصرية بالعين المجردة للإنسان. هذه المجموعة من العلماء لا ترى أي حرج أو أي مانع من استخدام هذه الحسابات في أمور الدين لا في القرآن و لا في السنة, بل على العكس فإنها تورد أدلة من القرآن و السنة تؤيد ما ذهبت إليه من أهمية استخدام الحسابات الفلكية, كما أوردت هذه المجموعة أدلة عقلية و عملية.

على أن هذه الفرقة من العلماء المؤيدة لاستخدام الحسابات تنقسم بدورها إلى مجموعتين:

مجموعة تقبل الحسابات الفلكية لنفي أو لإثبات دخول الشهرفي حالة الإغمام فقط, حيث أنه إذا أثبتت تلك الحسابات استحالة الرؤية البصرية أو استحالة ولادة القمر فإنها لا تقبل أي شهادة تقضي برؤية الهلال حتى و إن كان الشهود عدولاً. هذه المجموعة من العلماء موجودة منذ العصور الإسلامية القديمة, و يمكن ارجاعها إلى القرن الهجري الأول. مثل مطرف بن عبد الله إبن الشخير الفقيه و التابعي المعروف, وأبو العباس أحمد بن عمر بن سريج المتوفى سنه ( 306 ) للهجرة, و تقي الدين على السبكي ( 683 – 756 ).
أما في العصر الحديث فإننا نجد من بين العلماء المعاصرين الشيخ يوسف القرضاوي رئيس مركز البحوث في السنة والشريعة في جامعة قطر, و عدد آخر من العلماء الذين وقفواهذا الموقف.

أما المجموعة الثانية فهي تجيز استخدام الحسابات الفلكية سواء لإثبات دخول الشهر أو عدم دخوله بغض النظر عن ما تقوله الرؤية البصرية إذا ما كانت مخالفة للحسابات. هذه المجموعة تعتبر مجموعة حديثة تتضمن بعض علماء القرن الأخير و بعض من العلماء المعاصرين مثل مصطفى المراغي إمام الأزهر الأعظم ( 1935 – 1945 )
و الشيخ أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبدالقادر(1891– 1957 ), و الشيخ مصطفى الزرقاء ( 1901 – 1999 ) السوري المولد, القاضي والناشر و المؤلف و رئيس التحرير و المدرس و الخطيب و الحائز على جائزة الملك فيصل لعام (1990). بالإضافة إلى الشيخ على الطنطاوي (1908 – 1999), والدكتور شرف القضاة الفقيه الأردني المعاصر و عدد آخر من العلماء.
لهذا فإن القول بوجود إجماع قائم على أساس اعتماد الرؤية البصرية أو إكمال عدة الشهر على أنهما الطريقتان الوحيدتان المقبولتان عند الأمة بأكملها هو قول غير دقيق و لا يعتمد على الحقائق التاريخية كما سنرى فيما سيأتي.

النقطة الثانية في هذا الاعتراض:

بالاضافة إلى ذلك أنه لا يوجد هناك إجماع بين الفقهاء على طبيعة الرؤية البصرية لإثبات دخول أي من شهر شعبان أو رمضان أو على عدد الشهود المطلوب. يعنى: هل يتم إثباتها بشاهد واحد أو بشاهدين أو عدد من الشهود؟! كما أن هناك اختلاف في رأي الجمهور حول المعيار في قبول الشهود و صفاتهم, فهل يقبل الذكر و الأنثى, العبد و الحر؟ .

فعلى سبيل المثال لا الحصر: فقهاء الحنفية يطلبون عدد كبير من الشهود الفرادى في حالة وضوح الأفق و خلوه من الغمام أي يطلبون الرؤية الفاشية. أما إذا كان الطقس غائماً فهم يقبلون شهادة شاهد واحد, مسلم, عدل في إثبات دخول شهر رمضان حصراً.
أما فقهاء المالكية فهم يطلبون عدد كبير من الشهود في حالة خلو الأفق من أي شئ يعكر الرؤية كلغيوم أو الغبار أوالضباب أو إلى ما هنالك. أما إذا كان الطقس غائماً فإنهم يطلبون شاهدين مسلمين عدلين أو أكثر. إذاً هم على عكس علماء الحنفية لايقبلون شاهداً واحداً لإثبات رمضان أو شوال.

بينما علماء الشافعية يقبلون شاهداً واحداً, مسلماً, عدلاً في حالة الطقس الغائم أو عدمه, سواءً لإثبات شهر رمضان أو شوال. و علماء الحنبلية يقبلون شاهداً, واحداً, عدلاً لإثبات شهر رمضان, بينما يطلبون شاهدين اثنين لإثبات شهر شوال.

لا يسعنا في هذا المقام الخوض في التفاصيل المتعلقة بالمنهج العلمي للرؤية, يكفي أن نلاحظ أنه بدلاً من القول بإجماع علماء الأمة حول الرؤية البصرية على أنها الأسلوب الوحيد لإثبات الشهر قبل إتمام ثلاثين يوماً, فإنه لا يوجد إتفاق بين العلماء في تفاصيل الموضوع, بل هناك العديد من الاختلافات. لهذا لا يمكننا القول بأن الرؤية البصرية هي القاعدة القطعية والحتمية في الشرع و التي تحظى بإجماع الأمة جملة و تفصيلاً.
أفضل ما يمكن قوله أن الرؤية و الأحكام المتعلقة بها هي أمر ظني و ليس قطعي الثبوت في الشريعة.

ضعف الحجة بأن الحسابات الفلكية من سنة اليهود:

إن من الأسباب الرئيسية لرفض إثبات و قبول التقويم الإسلامي عن طريق الحسابات الفلكية في رأي العديد من فقهاء المسلمين هو مخالفة اليهود الذين يعتمدون الحسابات الفلكية في تحديد تقويمهم. فقد استدل العديد من علماء السلف و العلماء المعاصرون بحديث الرسول ( ص ) الذي يحث المسلمين على عدم تقليد اليهود, بل مخالفتهم في الكثيرمن الطقوس و الشعائر و العادات الدينية.
من المعروف أن اليهود كانوا قد اعتمدوا الحسابات الفلكية في تقويمهم منذ القرن الرابع قبل الميلاد. لهذا فإن الإمام ابن تيمية والعديد من العلماء الآخرين رفضوا استخدام الحسابات الفلكية في تحديد التقويم الإسلامي, لأن هذا سيكون مجرد تقليد لبدع اليهود و ضلالاتهم.
بعض العلماء المعاصرين يؤكدون أن الرسول ( ص ) كان يعلم ببدع اليهود في إستخدامهم الحسابات الفلكية و كان يأمر المسلمين بأن لا يتبعوا طريقهم على وجه الخصوص. قال الرسول ( ص ) " نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ". هذه إشارة مباشرة منه ( ص ) للطريقة التي يتبعها اليهود في تقويمهم و في حساباتهم.

من الأفضل هنا أن نحلل التقويم اليهودي تحليلاً وجيزاً ونناقشه و نلقي نظرة على تاريخه لنرى هل التقويم اليهودي أساسه الحسابات الفلكية القطعية أو الحسابات الرياضية المجردة ؛ و ذلك للرد على الشبهات التي تؤكد أن التمسك النبوي بالرؤية البصرية هو لعدم تشبه المسلمين باليهود الذين اعتمدوا, حسب زعم البعض, على الحسابات الفلكية و غيروا دين الله بهذا.

الشهر حسب الكتاب المقدس هو شهر قمري ( 12:2 سفر الخروج ) كان اليهود قد اتبعوا حركة القمر منذ القديم و ذلك ليعينوا شهورهم و أعيادهم الدينية. و كانت الكنيسة تفرض الرؤية البصرية منذ عهد قديم, و تطلب الشهود العيان لإثبات الشهر الجديد, و كانوا يكملون الشهر ثلاثين يوماً إذا لم يتقدم أي شاهد في اليوم التاسع والعشرين من الشهر كما ورد في التلموذ أن بداية الشهر كانت تعين عندما يظهر القمر الجديد و يذكر ذلك الحاخامات, فإن شوهد الهلال في اليوم الثلاثين من الشهر المنصرم يكون الشهر فعلياً تسعاً و عشرين يوماً و يسمى شهراً ناقصاً. أما إذا لم تعلن أي شهادة في اليوم الثلاثين فإن ذلك اليوم يعتبر من أيام الشهر المنصرم و يسمى الشهر حينها شهراً كاملاً, و يعتبر اليوم التالي هو أول أيام الشهر الجديد.

إن الكتاب المقدس والكتب الفقه اليهودية مثل التلمود والمشنا, و هي الكتب الفقهية الرئيسية المعتمدة عند اليهود , تحرم على أي يهودي القيام بأي عمل يوم السبت بل إنها تحدد عقوبة القتل لكل من يقوم بأي عمل يوم السبت. و قد تكرر هذا القول في الكتاب المقدس مراراً و تكراراً. و ذلك أن الله سبحانه و تعالى عما يقولون علواً كبيراً قد خلق السماوات بزعمهم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع فوجب على العباد أن يستريحوا مثله ( تعالى عما يصفون ) و يقلدوا عمل الإله. لكن الربانيون سمحوا بالخروج ليلة السبت لرؤية الهلال لأنهم قالوا أن هذا العمل و هو رؤية الهلال أمر ديني مطلوب و ليس معصية لأوامر الإله ففيه رخصة و لا يعتبر عصياناً لأحكام السبت المذكورة. وحاخامات اليهود كانوا يطالبون بالرؤية البصرية المجردة لإثبات الشهرحتى القرن الرابع قبل الميلاد. لقد سمحوا بالتعدي على حرمة يوم السبت و ذلك لمراقبة الهلال بالرؤية البصرية للعين المجردة. وكانت هناك محكمة يهودية شرعية خاصة تتكون من أحبار اليهود, هي التي كانت تقبل الشهود و تعلن بداية الشهر الجديد.

الحبر جماليل الثاني ( 80-116 ) كان يستقبل شهادات الشهود بنفسه, ثم بعد ذلك بدأ الحاخامات باستخدام الحسابات الفلكية لإنكار أو إثبات الشهور.

وفي عهد البطريارك رابي الثالث ( 300-330 ) الشهادات التي كانت تطلب لشهود الشهر و التي تثبت ظهور القمر الجديد كانت قد أصبحت مجرد شكليات, لكن عملياً إثبات دخول الشهر الجديد كان يتم من خلال الحسابات الفلكية. هذه البدعة في إثبات الشهر يبدو أنها كانت غير مقبولة عند بعض حاخامات اليهود مثل رابي جوس الذي كتب كتابي الجالية البابلية و الجالية الإسكندرانية, فهو يطالبهم باتباع عادات و تقاليد الآباء في الرؤية و الإبقاء على الاحتفال بالعيد في يومين, و أمر إثبات الشهر بالرؤية المجردة كان متبعاً من القرون قبل الميلادية و مازال متبعاً في الفرق اليهودية المتطرفة المسمى بالأرتودوكسية.

هناك مشكلتان عمليتان تظهران من اعتماد اليهود على الحسابات الفلكية بدل الرؤية البصرية. المشكلة الأولى تبرز لنا من خلال حقيقة أن الكتاب المقدس ربط أعياد اليهود و احتفالاتهم يالفصول و بمواسم الحصاد؛ حيث أن بعض الأعياد و تبعاً للتقويم القمري قد تأتي في الخريف أي في الفصل الخطأ, حيث أن القمح و الفواكه التي يراد الاحتفال بحصادها لم تنضج بعد. لذلك اضطر أحبار اليهود إلى زيادة عدة الشهر إلى واحد و ثلاثين يوماً والسنة إلى 13 شهرا لتفادي وقوع المواسم و الاحتفالات الدينية في الوقت الخطأ.

الموسوعة اليهودية تشرح ذلك بوضوح.
لقد أعطى مفسروا التلمود عدة تفسيرات للزيادة التي يضيفونها للسنة, و قالوا
أولاً: السنة الشمسية مكونة من 365 يوماً و ربع اليوم, فهم قسموا السنة أربعة أقسام متساوية كل قسم يحوي 91 يوماً و 7 ساعات و نصف الساعة, و أعطوا لهذه الأقسام أسماء الفصول, تبدأ في نيسان, تموز, تشرين, الخريف. فهذه هي الفصول الأربعة المشهورة.
أما السنة القمرية فهي مكونة من 354 يوماً, و الكتاب المقدس يطالب باستخدام السنة القمرية و في نفس الوقت يربط الأعياد الدينية بالفصول الزراعية المتعلقة بالسنة الشمسية. فحتى يوفق الأحبار بين استخدام السنة القمرية و تعيين أعيادهم تبعاً للسنة الشمسية فقد قاموا بإضافة و زيادة عدة أيام للسنة القمرية كل سنتين إلى ثلاث سنوات.
و على هذا فإننا نفهم أن السنة اليهودية هي مزيج من السنة القمرية والسنة الشمسية و ليست سنة قمرية خالصة.

أشار القرآن الكريم إلى هذا الموضوع في سورة التوبة من خلال الآيات الكريمة التالية:

"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين(36)إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين". ( التوبة:37 )

إن الآيات السابقة تتكلم عن المشركين الذين كانوا يزيدون و يغيرون في بعض الشهور والسنوات كما ذكر أغلب المفسرين؛ حيث كان المشركون يؤجلون بعض الشهور و يبدلون أسماءها و ذلك لكي تتناسب مع مصالحهم السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية. يقول الإمام الرازي:
"إن القوم علموا أنهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية ، فإنه يقع حجهم تارة في الصيف وتارة في الشتاء ، وكان يشق عليهم الأسفار ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات ، لأن سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة ، فعلموا أن بناء الأمر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا ، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسية ، ولما كانت السنة الشمسية زائدة على السنة القمرية بمقدار معين ، احتاجوا إلى الكبيسة وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران : أحدهما : أنهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهراً بسبب اجتماع تلك الزيادات . والثاني : أنه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمرية إلى غيره ، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة وبعده في المحرم وبعده في صفر"

لكن القرآن الكريم أنكر بشدة هذا التلاعب كما يخبرنا الرازي:
"فلهذا السبب عاب الله عليهم وجعله سبباً لزيادة كفرهم ، وإنما كان ذلك سبباً لزيادة الكفر ، لأن الله تعالى أمرهم بإيقاع الحج في الأشهر الحرم ، ثم إنهم بسبب هذه الكبيسة أوقعوه في غير هذه الأشهر"

و أدار الله سبحانه و تعالى الزمان فعاد إلى هيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض. و قد أكد الرسول ( ص ) هذه الحقيقة صراحة في خطبة الوداع فقال ( ص ):
"ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة إثنا عشر شهراً » وأراد أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها"

حجة من يقول بالأخذ بالحسابات الفلكية.

هذه المجموعة من العلماء حاججت عن رأيها بأن الحسابات الفلكية هي الطريقة الدقيقة و الحاسمة لمعرفة حركة الأجرام السماوية و هي أكثر دقة من مجرد الرؤية البصرية للهلال بالعين المجردة. كما أن القرآن الكريم و السنة الشريفة لم يحظرا استخدام الحسابات الفلكية في أمور الدين كما ذكر فيما سبق.

القرآن الكريم يوضح بدقة أن كلاً من الشمس و القمر له مساره المحسوب و الفلك الخاص الذي يتبعه بدقة. قال الله سبحانه و تعالى في سورة ياسين:
"والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم(39)لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"(ياسين: 39-40)

كما أثبت القرآن الكريم أن الله سبحانه و تعالى قد خلق لكل من الشمس و القمر مساره و فلكه الخاص به و منازله؛ حتى يتسنى للإنسان معرفة عدد السنين والحساب:

" هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"(سورة يونس)

كما تقول هذه المجموعة من العلماء أن رسول الله ( ص ) وجه المسلمين للرؤية البصرية على اعتبارها الوسيلة الوحيدة الصحيحة المتوفرة لدى المسلمين للتأكد من دخول شهر رمضان في ذلك الوقت. فالرؤية البصرية بالعين المجردة ليست عبادة بنفسها, إذ هي ليست بيت القصيد, بل هي وسيلة يتم من خلالها الوصول إلى بداية الشهر الجديد و إلى تحديد بداية العبادة بشكل دقيق يقيني كما فصلنا سابقاً.

بناءً على هذا تقول هذه المجموعة من العلماء أنه إذا كان المقصود هي الدقة و أمكن الحصول عليها من خلال طرق أخرى أكثر دقة و صحة فإن هذه الطرق تصبح و سائل إسلامية, شرعية كالرؤية البصرية سواءً بسواء. هؤلاء العلماء يؤمنون بأن الحسابات الفلكية في زماننا هي أكثر دقة من الرؤية البصرية. لهذا يجب استخدامها في إثبات الشهور الإسلامية بدلاً من الرؤية البصرية المجردة. و استدلت تلك الفئة من العلماء على صحة ما ذهبت إليه من السماح و الترخيص باستخدام تلك الحسابات بالأحاديث النبوية التالية:

"حدّثنا عبيدُاللَّهِ بنُ عبدِالمجيدِ ، ثَنَا مالكٌ عنْ نافعٍ ، عن ابنِ عمرَ ،، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رمضانَ فقالَ: «لاَ تصوموا حتَّى تَرَوا الهلالَ ولا تفطِروا حتَّى تَرَوْهُ، فإن غُمَّ عليكُم فأَقدروا له».
"حدّثنا سليمانُ بنُ حربٍ ، ثَنَا حمادُ بنُ زيدٍ ، عنْ أيوبَ عنْ نافعٍ ، عن ابنِ عمرَ ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنما الشهرُ تسعٌ وعشرونَ فلا تصوموا حتى ترَوْهُ ولا تفطِروا حتى ترَوْهُ، فإن غمَّ عليكُم فأقدروا له".

"أخبرنا محمدُ بنُ عبدِ الرَّحم?ن السامي ، قالَ: حَدَّثنا يحيى? بنُ أَيُّوب المَقابِري ، حَدَّثنا إسماعيلُ بنُ جَعْفرٍ ، قال: وأخبرني عبدُ اللَّهِ بنُ دينارٍ أَنَّه سَمِعَ ابنَ عُمَرَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لا تَصُوموا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ إِلَّا أنْ يُغَمَّ عَلَيْكُمْ فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ».

"أخبرنا أبو خَليفةَ قالَ: حَدَّثنا مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدٍ ، قالَ: حَدَّثنا إسماعيلُ بنُ عُلية ، عن أيوبَ ، عن نافعٍ عن ابن عُمرَ أَنَّ رسولَ اللَّهِ قال : «إِنَّما الشَّهْرُ تسعٌ وعشرونَ فَلَا تَصُوموا حتى تَرَوْهُ، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فإن أُغمي عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ».

"أخبرنا الحسينُ بنُ إدريسِ الأنصاريُّ ، قال: أخبرنا أحمدُ بنُ أبي بكرٍ ، عن مالكٍ ، عن نافعٍ عَنِ ابنِ عمرَ أنَّ رسولَ اللَّهِ ذَكر رَمَضَان، فقالَ: «لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ»

"أَخْبَرَنَاهُ أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاقَ المُزَكِّي قالا ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوبَ ثنا جعفر بن محمد ثنا يحيى بن يحيى أنبأ إسمعيل ن جعفر عن عبد الله بن دينار أنه سمعَ ابنَ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وعشرونَ ليلةً، لا تَصُوْمُوا حتَّى تَرَوْهُ، ولا تُفْطِرُوا حتَّى تَرَوْهُ، إلاَّ أَنْ يُغَمَّ عَلَيْكُمْ، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدِرُوا لَهُ». رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بنِ يحيى".

ذكرالإمام النووي أن للعلماء ثلاث تفسيرات لتلك الأحاديث و هي :

"وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ : مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ , وَأَوْجَبَ هَؤُلَاءِ صِيَامَ لَيْلَة الْغَيْمِ".

كما أورد الإمام أحمد الحديث على أنه يطالب بداية شهر رمضان في التاسع و العشرين في حالة الطقس الغائم كما أسلفنا الذكر.

"وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ : مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ".

مطرف بن عبد الله, ابن سريج و ابن قتيبة أوردوا الحديث على أنه يطالبنا باستخدام الحسابات الفلكية في حالة الطقس الغائم.

"وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا".

يشرح مؤلفوا الموسوعة الفقهية ذلك بقولهم:
"تَضَمَّنَ هَذَا الرَّأْيُ الْقَوْلَ بِتَقْدِيرِ الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ الْفَلَكِيِّ وَنُسِبَ إلَى مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ , وَنَفَى نِسْبَةَ مَا عُرِفَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ إلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ . وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَوْلَهُ : " يُعْتَبَرُ الْهِلَالُ إذَا غُمَّ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَطَرِيقِ الْحِسَابِ , قَالَ : وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ , وَالْمَعْرُوفُ لَهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَامُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ فَاشِيَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ عَادِلَةٍ كَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور".ُ

يخبرنا النووي أن الكلمة المستخدمة في الحديث تعني لغوياً التقدير والحساب.
"قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ - بِتَخْفِيفِ الدَّالِ - أَقْدِرُهُ وَأَقْدُرهُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْتُهُ بِتَشْدِيدِهَا , وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : وَمِنْهُ قوله تعالى { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ."

إذا نظرنا إلى الكلمة الواردة في الحديث من الناحية اللغوية و من خلال سياق الكلام نجد أنها تعني ( التقدير ) كما قال أبو سليمان أحمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي ( ت 388 ه ). إذاً فهي تعطي معنى الحساب و العد في حالة الطقس الغائم أو عدم وضوح الرؤية.

إستناداً إلى هذا المعنى ذهب بعض العلماء مثل الخطابي والداوودي و عدد آخر. أي أنه في حالة الإغمام وعدم وضوح الرؤية في التاسع والعشرين من شعبان فإن اللجوء إلى الحسابات الفلكية الصحيحة ليست مسموحة فقط بل مطلوبة و ذلك استناداً للسنة.
سلمان الباجي أورد أن أبو عبد الله بن محمد بن سعيد الداودي الظاهري كان يميل إلى هذا المعنى للحديث.
"وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ أَيْ قَدِّرُوا الْمَنَازِلَ".

ذكرالمجتهد الشافعي ابن دقيق العيد أن بعض علماء المالكية في بغداد و بعض فقهاء الشافعية تبنوا هذا الرأي و خاصة بالنسبة للعالم الفلكي نفسه. أي أن الفلكي أو عالم الفلك يجب عليه أن يبدأ صيامه في اليوم الذي تثبته حساباته الفلكية على أنه أول أيام شهر رمضان.

"وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ : أَنَّهُ رَأَى الْعَمَلَ بِهِ . وَرَكَنَ إلَيْهِ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ . وَقَالَ بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِ الْحِسَابِ".

و ذكر أن مطرف بن عبدالله ابن الشخير قد قال أن الفلكي يجب أن يتبع حساباته. والعالم الشافعي المعروف أبو العباس بن سريج من القرن الثالث الهجري كان يرى أن صاحب الفلك عليه أن يعتمد على حساباته بنفسه أما عامة المسلمين فيعتمدون على الرؤية.

"وَعَنْ مُطَرِّفٍ أَيْضًا أَنَّ الْعَارِفَ بِالْحِسَابِ يَعْمَلُ بِهِ فِي نَفْسِهِ . أَمَّا ابْنُ سُرَيْجٍ فَاعْتَبَرَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم : { فَاقْدُرُوا لَهُ } : خِطَابًا لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْحِسَابِ".

يذكر الإمام النووي الأقوال الخمسة الواردة في هذا الصدد:

"فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ ( أَصَحُّهَا ) لَا يَلْزَمُ الْحَاسِبُ وَلَا الْمُنَجِّمُ وَلَا غَيْرُهُمَا بِذَلِكَ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ فَرْضِهِمَا , ( وَالثَّانِي ) يَجُوزُ لَهُمَا وَيُجْزِئُهُمَا ( وَالثَّالِثُ ) يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ ( وَالرَّابِعُ ) يَجُوزُ لَهُمَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُهُمَا ( وَالْخَامِسُ ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُ الْحَاسِبِ دُونَ الْمُنَجِّم".

الفقيه المالكي المعروف الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي يروي أن المدرسة المالكية رخصت استخدام الحسابات الفلكية لإثبات شهر رمضان.
"وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ قَوْلًا آخَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ اعْتِمَادِ الْحِسَابِ فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّة".

Muhammad Syafii Tampubolon | Buat Lencana Anda
Share this post :
 
Media Islami : Jejak Dakwah | Meja Redaksi | Pimpred
Copyright © 2011. mastampu - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Penulis Tetap Mhd. Syafi'i Tampubolon dan Ekta Yudha Perdana
Hosting Google